الفحوصات ومراحل تشخيص العقم؛ دليل علمي، كامل، وإنساني للأزواج

٢٨ يوليو ٢٠٢٥ | ١٥:٣١ رقم الخبر : ٨٦٥٣٠ أهم الأخبار تدريبات عملية ومفيدة
الفحوصات ومراحل تشخيص العقم؛ دليل علمي، كامل، وإنساني للأزواج العقم، قضية متعددة الأوجه وقابلة للعلاج—ولكن نقطة البداية هي الفهم الدقيق لحالة الجسم والسبب الرئيسي لتأخر الحمل. يناقش هذا المقال، بشكل مفصل وعملي، جميع مراحل تشخيص العقم للرجال والنساء: من جودة الحيوانات المنوية والبويضات إلى صحة الرحم، الحالة الهرمونية، فحص الأنابيب، الفحوصات الجينية، العوامل المناعية، النفسية، ونمط الحياة. هذا الدليل الشامل يساعد الأزواج على دخول مسار العلاج بوعي، وهدوء، وتخطيط دقيق.
الفحوصات ومراحل تشخيص العقم؛ دليل علمي، كامل، وإنساني للأزواج
 
 

اختبارات ومراحل تشخيص العُقم

يُعَدّ تشخيص العُقم الخطوة الأولى والأهم في رحلة الإنجاب. خلافاً للاعتقاد الشائع، لا يقتصر العُقم على النساء فقط—حيث تعود حوالي 30–40٪ من الأسباب لعوامل ذكورية، و30–40٪ لعوامل أنثوية، والبقية لأسباب مختلطة أو غير محددة. لذا من الضروري فحص الرجل والمرأة معاً. في هذا الدليل، نشرح جميع مراحل تشخيص العُقم والاختبارات الأساسية وطرق تفسير النتائج والإجراءات التكميلية بشكل علمي وإنساني.

1. اختبار السائل المنوي وتقييم خصوبة الرجال

أول وأبسط فحص لدى الرجال هو اختبار السبرموغرام، الذي يُجرى عادةً بعد الامتناع عن الجماع 2–5 أيام. يقيس هذا الاختبار في مختبر متخصص بدقة المعايير التالية:

  • عدد الحيوانات المنوية: يجب ألا يقل عن 15 مليون لكل مليلتر
  • الحركة التقدمية: نسبة الحيوانات المنوية المتحركة تقدّمياً لا تقل عن 32٪
  • الشكل الطبيعي (المورفولوجيا): يجب أن تبلغ نسبة الحيوانات المنوية ذات الشكل الطبيعي 4٪ على الأقل
  • خصائص أخرى مثل حجم السائل المنوي، ووقت القذف، ودرجة الحموضة (pH) ولون السائل

إذا كانت النتائج غير طبيعية، يُعاد الاختبار بعد 2–3 أسابيع لتأكيدها أو تعديلها. وعند تكرار النتيجة، قد يُجرى فحص بالموجات فوق الصوتية للخصيتين، واختبارات هرمونية (FSH، LH، التستوستيرون)، أو حتى خزعة خصية للتحقق من وجود خلايا منوية.

قد تشمل اضطرابات الحيوانات المنوية:

  • أزووسبيرميا: انعدام الحيوانات المنوية في العينة
  • أوليغوسبيرميا: قلة عدد الحيوانات المنوية
  • أستنوسبيرميا: ضعف الحركة
  • تيراتوسبيرميا: نسبة عالية من الشكل غير الطبيعي

تساعد هذه التشخيصات الطبيب على اختيار العلاج المناسب؛ مثلاً في حالات الأزووسبيرميا قد يُفضَّل ICSI باستخدام حيوانات منوية مأخوذة بخزعة، أما في حال ضعف الحركة فقد لا يكون IUI فعالاً.


2. تقييم خصوبة النساء: المبيض ومخزون البويضات والإباضة

يشمل فحص العُقم لدى النساء تقييم وظيفة المبايض وقدرتها على إنتاج بويضات سليمة. يبدأ ذلك بفحص البنية والهرمونات وجودة البويضات وانتظام الإباضة.

أولاً، يُجرى السونار المهبلي (Ultrasound)، وهو أحد أدق الطرق الأقل تدخلًا لمراقبة الرحم والمبايض. يقيس السونار:

  • عدد الجريبات الأنترالية في كل مبيض
  • حجم وشكل المبايض
  • وجود أكياس أو أورام ليفية أو سلائل
  • سمك بطانة الرحم في أيام مختلفة من الدورة

موازياً للسونار، تُجرى اختبارات دم رئيسية:

  • AMH (الهرمون المضاد للمولرية): يدل على مخزون البويضات—إذا كان أقل من 1، فالمخزون منخفض
  • FSH و LH: تقاس في اليوم الثاني أو الثالث من الدورة. ارتفاع FSH أو تغير النسبة FSH/LH قد يشير إلى قصور مبيضي أو متلازمة تكيس المبايض
  • الإستراديول: يؤثر على تفسير FSH وجودة البويضات
  • البرولاكتين: زيادته قد تعيق الإباضة وتسبب عدم انتظام الدورة
  • TSH (هرمون الغدة الدرقية): اختلاله قد يمنع الإباضة أو يرفع خطر الإجهاض المتكرر

في بعض الحالات، يُستخدم السونار المتسلسل لمتابعة نمو الجريبات خلال الدورة. تصل البويضة الناضجة عادة لحجم 18–22 ملم في منتصف الدورة. انتفاخ غير كافٍ للجريب يدل على اضطراب الإباضة.

عند النساء المصابات بـمتلازمة تكيس المبايض (PCOS)، تظهر عدة جريبات صغيرة دون نضوج كافٍ. يعالج ذلك بأدوية مثل اللِتروزول أو الكلوميفين أو المنشطات الهرمونية لتحفيز الإباضة.

جودة البويضات تتراجع مع تقدم العمر. حتى وإن كان المخزون جيداً، فقد ينصح الطبيب بـIVF أو باستخدام بويضات متبرعة بعد عمر 35–40 عاماً.


3. فحص الرحم وقناتي فالوب: هستروسالبيوغرافي، هستروسكوبي وسونار متخصص

بعد تقييم المبايض، يُفحص تشريح الرحم وقناتي فالوب لاستبعاد العوائق التي قد تمنع الالتقاء أو الانغراس.

الطريقة الأهم هي الهستروسالبيوغرافي (HSG)، حيث يُحقن صبغة عبر عنق الرحم ويُصور بالأشعة. يهدف الاختبار إلى:

  • الكشف عن انسداد أو التصاقات في القناتين
  • فحص تجويف الرحم لاكتشاف تشوهات مثل الرحم ثنائي القرن أو الحاجز الرحمي
  • في بعض الحالات، تفتح الصبغة التصاقات طفيفة

إذا كان الانسداد ثنائي الجانب، فالحمل الطبيعي شبه مستحيل ويُنصح بـIVF. أما الانسداد أحادي الجانب فيؤخر الحمل لكنه لا يمنعه تماماً.

قد تُجرى أيضاً الهستروسكوبي، حيث يدخل الطبيب كاميرا عبر عنق الرحم لتشخيص وإزالة السلائل أو الأورام الليفية أو التصاقات داخل الرحم.

في حالات التشوهات الخلقية أو وجود أورام متعددة، يُستخدم MRI للرحم للحصول على صورة دقيقة للبنية العضلية والداخلية.

عند اكتشاف عوائق هيكلية أو انسداد، قد يقترح الطبيب جراحة تصحيحية أو تحضير طبقة بطانة الرحم دوائياً، أو اللجوء مباشرةً إلى IVF حسب شدة الحالة وتاريخ المريضة.


4. الفحوصات الوراثية في حالات العُقم الخاصة

إذا لم ينجح الزوجان بعد عدة دورات علاج (مثل IVF) أو لم يُكشف سبب واضح، قد يُطلب فحوصات جينية لاكتشاف تشوهات كروموسومية أو جينية تمنع الحمل أو نمو الجنين.

في الرجال، أهم الاختبارات:

  • الكاريوتايب: فحص بنية الكروموسومات للكشف عن متلازمة كلاينفلتر أو تشوهات أخرى
  • حذف ميكروي في كروموسوم Y (Y Microdeletion): يؤدي إلى أزووسبيرميا أحياناً
  • فحص الجينات المسؤولة عن إنتاج الحيوانات المنوية ووظيفة الخصية

في النساء، يُجرى كاريوتايب لاكتشاف اضطرابات عددية أو تركيبية، وفحوصات جينية متعلقة بالإباضة والانغراس أو الأمراض الوراثية.

لدى الأزواج الذين لديهم تاريخ من الإجهاض المتكرر أو ولادة أطفال بتشوهات وراثية، تُستحسن الاستشارة الوراثية. إذا وُجدت مشكلة خطيرة، يُقترح استخدام جنين متبرّع أو تقنية التشخيص الوراثي قبل النقل (PGD) وفصل الأجنة السليمة.


5. العُقم غير المفسَّر: عندما لا يُكشف سبب واضح

حوالي 20–25٪ من حالات العُقم لا يُعثر فيها على سبب واضح بعد جميع الفحوص. تسمى هذه الحالة “العُقم غير المفسَّر” (Unexplained Infertility). يواجه الزوجان تحدياً نفسياً لأنّ السبب غير محدد.

في هذه الحالة، يختار الطبيب الخطة العلاجية بناءً على العمر ومدة المحاولة ونتائج الدورات السابقة:

  • بداية العلاج العملي: عادةً تبدأ IUI مع أدوية تحفيز الإباضة
  • عند الفشل: الانتقال إلى IVF أو ICSI لرفع احتمال الإخصاب
  • فحوص تكميلية: تشمل اختبارات مناعية، الانغراس، وتوافق بطانة الرحم

إلى جانب الفحوص السريرية، يلعب نمط الحياة دوراً مهماً—كمراقبة الوزن، تقليل التوتر، تحسين التغذية وتوقيت الجماع. كثيراً ما تؤدي تغييرات بسيطة إلى حدوث حمل طبيعي.

قد يُستخدم أيضاً تصوير متقدم للرحم أو اختبارات دم إضافية لبحث عوامل التجلط أو خصائص الانغراس.

لا ينبغي أن يصاحب العُقم غير المفسَّر شعور بالإحباط؛ بل هو فرصة لإجراء فحوص أدق وخيارات علاجية مخصَّصة.


6. الفحص المناعي والعوامل المناعية في العُقم

في بعض الحالات، يكون العُقم ناجماً عن اختلالات في جهاز المناعة لا تُكشف بالفحوص الروتينية، خاصة بعد دورات IVF الفاشلة أو الإجهاض المتكرر.

دور النظام المناعي في الحمل حساس جداً—يجب أن يميّز بين حماية الجسم من الميكروبات وقبول الجنين كجزء من الجسم. إذا اختل التوازن، قد يُهاجم الجنين.

تشمل الفحوصات المناعية:

  • أضداد ضد الحيوانات المنوية: قد تُعطّل فعالية الحيوانات المنوية
  • أضداد ضد البويضات: تعيق الإخصاب أو النمو المبكر للجنين
  • أضداد الأجسام المضادة للفوسفوليبيد: قد تسبب تجلطاً في المشيمة وإجهاضاً متكرراً
  • داء الذئبة الحمراء (SLE): يزيد الالتهاب ويعوق قبول الجنين
  • فحص التوافق المناعي بين الزوجين (مثل HLA أو KIR Matching)

عند إيجابية أي فحص، يعالج الطبيب بالأسبرين منخفض الجرعة، الهبارين، الكورتيزون الخفيف أو مضادات الالتهاب، قبل وبعد نقل الجنين لدعم التوازن المناعي.

قد تُجرى أيضاً اختبارات لقبول بطانة الرحم من الناحية المناعية لتحديد التوقيت الأمثل للنقل والأدوية الداعمة.

تجدر الإشارة إلى أن الاضطرابات المناعية لا تظهر دائماً بعلامات ظاهرة، ويجب اللجوء إليها حسب التاريخ السريري وتوجيهات الطبيب.


7. نمط الحياة والحالة النفسية والعوامل العامة المؤثرة في تشخيص العُقم

كثير من أسباب تأخر الحمل لا تتعلق بالخلايا الجنسية مباشرة، بل بنمط الحياة أو الحالة النفسية أو وظائف الجسم العامة. يحرص الطبيب على تقييم هذه العوامل لأنها قد تكون أكثر فاعلية من بعض العلاجات التخصصية.

❶ الصحة العامة ومؤشرات الجسم
  • الوزن ومؤشر كتلة الجسم (BMI): الوزن الزائد أو القليل يؤثر على الإباضة والتوازن الهرموني
  • الضغط والسكر ووظيفة الغدة الدرقية: الأمراض الأيضية غير المضبوطة تعيق نجاح العلاج
  • النشاط البدني: الخمول المزمن أو التمارين المكثفة تخلّ بانضباط الدورة ووظيفة المبيض
❷ التغذية والنوم والعادات اليومية
  • النظام الغذائي: نقص الفيتامينات (D، B12، حمض الفوليك) وتناول الأطعمة المصنعة يقلل تكوين الخلايا الجنسية
  • المشروبات: الإفراط في المشروبات الغازية والقهوة القوية والكحول يضُر الحيوانات المنوية والبويضات
  • جودة النوم: irregular sleep يرفع هرمونات التوتر ويعيق الإباضة
❸ الحالة النفسية والتوتر المزمن
  • القلق من تأخر الحمل: الضغط النفسي الشديد يخلّ بالدورات الهرمونية ويضعف العلاقة الزوجية
  • الاكتئاب أو التوتر العائلي: يقلل الالتزام بالعلاج ومتابعة الأدوية
  • المقارنة بالآخرين: الشعور بالفشل أمام أزواج حملوا قبلكم يدفع نحو اليأس

في المراكز المتخصصة، يُضاف قسم استشاري نفسي لدعم الزوجين في هذه المرحلة وتعزيز الأمل والتركيز.

❹ العوامل البيئية والمهنية
  • التعرض للمواد الكيميائية: في مهن تتعامل مع المذيبات والمعادن الثقيلة والدهانات، تنخفض جودة البويضات والحيوانات المنوية
  • الحرارة العالية: الجلوس الطويل في بيئات ساخنة (كالقيادة) يضعف إنتاج الحيوانات المنوية
  • التدخين: التدخين بأنواعه يقلل جودة الخلايا الجنسية ويزيد خطر الإجهاض
❺ الجماع وتوقيت الإباضة
  • عدد مرات الجماع: أقل من 2–3 مرات أسبوعياً يقلل احتمال الحمل
  • التوقيت الخاطئ: الجماع خارج أيام الإباضة يمنع حدوث الحمل رغم خلو الخلايا من المشاكل
  • اضطرابات جنسية قد تبقى دون تشخيص وتؤثر على النجاح

ينصح الطبيب باستخدام تطبيقات أو جداول دورية لمتابعة الإباضة وتوقيت الجماع بدقة، فالتوقيت الخاطئ وحده يمكن أن يؤخر الحمل.

الخلاصة النهائية

تشخيص العُقم ليس مجموعة اختبارات فقط، بل تقييم شامل نمط الحياة والحالة النفسية والعوامل البيئية والجسدية. كثير من الأزواج طبيعي نتائج فحوصهم لكن تواجههم عقبات في هذه الجوانب. لذا أفضل خطة علاج تبدأ بفهم كامل للجسم والعقل ونمط الحياة.

 
text to speech icon

تعليقكم :